المعاني لمن عنيت
صفحة 1 من اصل 1
المعاني لمن عنيت
نقلاً عن جريدة العروبة
الـمعانـي لِـمَنْ عنـيتُ
14-3-2011
يحكى أن: - وليس في سالف العصر و الزمان ، إنما في عين هذا الزمان - السكوت الذي كان من ذهب صدئ، وأن القطط التي استنمرت على ظلها مازالت تظن أنها نحّت النمور واستراحت، ويحكي في هذا الزمان أن الورود البلاستيكية التي نحّت الورود
الطبيعة، وفرضت ربيعها الذي بلا لون ولا طعم ولا رائحة لأن بصرنا و ذوقنا و شمنا تزيّف ليس إلا ، ويحكي ليس في سالف الزمان: أن الذين استحوا وماتوا تركوا المقاعد و الحمامات للذين لم يستحوا، ولن يستحو، وذلك الذي لم يعرف يوماً أنه لم يترك حيلة ليصعد على أكتاف الآخرين أنه من هذا الزمان وليس أسطورة تذكر بما حملته نفسه المتورمة مثل قبة أكل الزمن عليها وشرب، وأنه هو من ركب بغله الأعرج وادّعى أنه الفارس في زمن لا فرسان فيه، وحين لم يهزم حتى ظله ذم الفرسان، وتذكر أن عنترة هذا الزمان لا يصلح أن يكون إلا رسماً فلكلورياً كاريكاتورياً على علّاقة المفاتيح، وعلى الرغم من إدراكه فإنه جعل من نفسه سندباد هذا الزمان وأنه غزا فرنسا بطنبره التاريخي ليسعف علماء الذرة فيها، ويعلمهم عمارة القبب لتكون مختبراتهم الذرية، في هذا الزمان من الخرافات الصغيرة ما تبلغ خرافات البدائيين . ويحكى في هذا الزمان أن بعض الناس تتوحش نفوسهم فتأكلهم، و أول ما تبدأ بأمخاخهم، ولا سيما أولئك الذين نسوا أنهم في مجتمع إنساني مهما انحرف، وكثر الفساد فيه تبقى له ظواهره وضوابطه وقواعده التي تبدأ من أن التربة الطيبة تنبت فيها شجرة طيبة مهما أهملناها، وأن الشمس ليست حكراً على من يمتلك القلاع ، وأن الحياة للطيبين ، وأن الذي لا يملك من خارج ذاته وأفعاله أحبالاً يربط وجه الزمان بوجهه ، مهما أدار الزمان له ظهر المجن فثمة حق لا يضيعه الزمان وسوف يدير له وجهه ولو مرة ، وأن الذين يخالفون منطق الحياة التي تتجدد و تحنو على أبنائها الطيبين لأنها أمّ لا تخونهم، لابد يوماً أن يدركوا وحش وجههم في مرآة أنفسهم المريضة، ويدركوا بعد فوات الأوان أن وحشهم أكل أمخاخهم ، وأن الحق الإنساني لا يقوم على قاعدة الغاية تسوّغ الوسيلة .
تحضرني في هذا السياق حكاية رواية الكاتب الإسبانيِّ الباسكي برنارد واتشاغا التي أسماها : (أوباباكواك )
تحكي هذه الرواية عن امتلاكِ الراوي لصورةٍ جماعيّةٍ لطلابِ مدرسةٍ ابتدائيّةٍ ، يراها صديقٌ مصورٌ، فيدفعه حسُّه الفنيُّ الثاقب إلى اقتناء نسخةٍ منها ، ثمّ يعمدُ إلى تكبيرها مم يوضحُ تفاصيلَ المكان والطلاب، وتتبدّى في هذه التفاصيل الهامشيّة لقطةٌ مثيرةٌ كانت غائبةً ! وهي أنّ أحدَ الطلاّب كان يحمل بيده حرذوناً يدفعه نحو أذن زميله (البينوماريا )، ويقاطع هذا المشهدُ النائم في ذمة الذاكرة والصورة تقليداً شائعاً في ( أوبابا ) يتجلّى بتحذير الآباء آنئذٍ من نوم الأطفال على العشب خشيةَ تسلّلِ الحراذين إلى رؤوسهم والتهام أدمغتهم ، بهذا التقاطع يقرنُ الراوي الصورةَ بالحالة التي طرأت على (البينوماريا ) حيث راح ذكاؤُه يتراجع - بعد أن كان أوّلَ رفاقه دراسيّاً - حتّى تحوّلَ إلى متخلّفٍ معتوهٍ، صار بهلولَ (أوبابا) ! تنفذ هذه الرواية عبر حكايتها لحادثةِ بيئيةٍ بسيطةٍ إلى أسئلة وجوديّة متشعّبة وعميقة تنتشر على سفحَ الوجود والحياة ،وتدلنا على فظاعة ما نخفي من أفاع نفسية نموِّهها بالذهب، تبدو مشاريع إنسانية وحقوقاً مشروعة قائمة على مبدأ التنافس و الطموح ، وننسى أن التنافس و الطموح لا تمتطى فيهما ظهور الوحوش النفسية . ذلك في هذا الزمان يحكى ما لم تحكه الأساطير ، ومالم تقصّه الحكم، وقد كانت الحكمة ولم تزل تحلق بروح لا تموت ،و لو كان للحكمة عطر لِما كان للزمان رائحة أزكى وأطيب ، ولو كان للحكمة صدى لما كان لصوت أن ينفذ من أعماق السنين عذباً مثل صوتها ،ولذلك دارت الحكم و الأمثال على ألسنة العامة بكثرة لا تضاهى ، و إني كثيراً ما كنت أسمع حكمة تتداولها الألسن حتى استهلكت، فلم أعد أحسّ بوجه جمالها، فكلّما دقّ الكوز بالجرّة، تسمع مَن يقول" نحكيك يا كَنة لتسمع الجارة"، لكن لا أدري لماذا طابت لي كثيراً وكأني لم أسمعها من قبل عندما قرأتها متضمنة في قول الشاعر "أبي الرقعمق " الذي تبعد الحكمة عنه بُعْدَ الدّوري عن الطير الحرّ:
(والـمعانـي لِـمَنْ عنـيتُ ولكنْ بكِ عَرَّضْتُ فاسمعي يا جارَهْ)
د. خالد زغريت
الـمعانـي لِـمَنْ عنـيتُ
14-3-2011
يحكى أن: - وليس في سالف العصر و الزمان ، إنما في عين هذا الزمان - السكوت الذي كان من ذهب صدئ، وأن القطط التي استنمرت على ظلها مازالت تظن أنها نحّت النمور واستراحت، ويحكي في هذا الزمان أن الورود البلاستيكية التي نحّت الورود
الطبيعة، وفرضت ربيعها الذي بلا لون ولا طعم ولا رائحة لأن بصرنا و ذوقنا و شمنا تزيّف ليس إلا ، ويحكي ليس في سالف الزمان: أن الذين استحوا وماتوا تركوا المقاعد و الحمامات للذين لم يستحوا، ولن يستحو، وذلك الذي لم يعرف يوماً أنه لم يترك حيلة ليصعد على أكتاف الآخرين أنه من هذا الزمان وليس أسطورة تذكر بما حملته نفسه المتورمة مثل قبة أكل الزمن عليها وشرب، وأنه هو من ركب بغله الأعرج وادّعى أنه الفارس في زمن لا فرسان فيه، وحين لم يهزم حتى ظله ذم الفرسان، وتذكر أن عنترة هذا الزمان لا يصلح أن يكون إلا رسماً فلكلورياً كاريكاتورياً على علّاقة المفاتيح، وعلى الرغم من إدراكه فإنه جعل من نفسه سندباد هذا الزمان وأنه غزا فرنسا بطنبره التاريخي ليسعف علماء الذرة فيها، ويعلمهم عمارة القبب لتكون مختبراتهم الذرية، في هذا الزمان من الخرافات الصغيرة ما تبلغ خرافات البدائيين . ويحكى في هذا الزمان أن بعض الناس تتوحش نفوسهم فتأكلهم، و أول ما تبدأ بأمخاخهم، ولا سيما أولئك الذين نسوا أنهم في مجتمع إنساني مهما انحرف، وكثر الفساد فيه تبقى له ظواهره وضوابطه وقواعده التي تبدأ من أن التربة الطيبة تنبت فيها شجرة طيبة مهما أهملناها، وأن الشمس ليست حكراً على من يمتلك القلاع ، وأن الحياة للطيبين ، وأن الذي لا يملك من خارج ذاته وأفعاله أحبالاً يربط وجه الزمان بوجهه ، مهما أدار الزمان له ظهر المجن فثمة حق لا يضيعه الزمان وسوف يدير له وجهه ولو مرة ، وأن الذين يخالفون منطق الحياة التي تتجدد و تحنو على أبنائها الطيبين لأنها أمّ لا تخونهم، لابد يوماً أن يدركوا وحش وجههم في مرآة أنفسهم المريضة، ويدركوا بعد فوات الأوان أن وحشهم أكل أمخاخهم ، وأن الحق الإنساني لا يقوم على قاعدة الغاية تسوّغ الوسيلة .
تحضرني في هذا السياق حكاية رواية الكاتب الإسبانيِّ الباسكي برنارد واتشاغا التي أسماها : (أوباباكواك )
تحكي هذه الرواية عن امتلاكِ الراوي لصورةٍ جماعيّةٍ لطلابِ مدرسةٍ ابتدائيّةٍ ، يراها صديقٌ مصورٌ، فيدفعه حسُّه الفنيُّ الثاقب إلى اقتناء نسخةٍ منها ، ثمّ يعمدُ إلى تكبيرها مم يوضحُ تفاصيلَ المكان والطلاب، وتتبدّى في هذه التفاصيل الهامشيّة لقطةٌ مثيرةٌ كانت غائبةً ! وهي أنّ أحدَ الطلاّب كان يحمل بيده حرذوناً يدفعه نحو أذن زميله (البينوماريا )، ويقاطع هذا المشهدُ النائم في ذمة الذاكرة والصورة تقليداً شائعاً في ( أوبابا ) يتجلّى بتحذير الآباء آنئذٍ من نوم الأطفال على العشب خشيةَ تسلّلِ الحراذين إلى رؤوسهم والتهام أدمغتهم ، بهذا التقاطع يقرنُ الراوي الصورةَ بالحالة التي طرأت على (البينوماريا ) حيث راح ذكاؤُه يتراجع - بعد أن كان أوّلَ رفاقه دراسيّاً - حتّى تحوّلَ إلى متخلّفٍ معتوهٍ، صار بهلولَ (أوبابا) ! تنفذ هذه الرواية عبر حكايتها لحادثةِ بيئيةٍ بسيطةٍ إلى أسئلة وجوديّة متشعّبة وعميقة تنتشر على سفحَ الوجود والحياة ،وتدلنا على فظاعة ما نخفي من أفاع نفسية نموِّهها بالذهب، تبدو مشاريع إنسانية وحقوقاً مشروعة قائمة على مبدأ التنافس و الطموح ، وننسى أن التنافس و الطموح لا تمتطى فيهما ظهور الوحوش النفسية . ذلك في هذا الزمان يحكى ما لم تحكه الأساطير ، ومالم تقصّه الحكم، وقد كانت الحكمة ولم تزل تحلق بروح لا تموت ،و لو كان للحكمة عطر لِما كان للزمان رائحة أزكى وأطيب ، ولو كان للحكمة صدى لما كان لصوت أن ينفذ من أعماق السنين عذباً مثل صوتها ،ولذلك دارت الحكم و الأمثال على ألسنة العامة بكثرة لا تضاهى ، و إني كثيراً ما كنت أسمع حكمة تتداولها الألسن حتى استهلكت، فلم أعد أحسّ بوجه جمالها، فكلّما دقّ الكوز بالجرّة، تسمع مَن يقول" نحكيك يا كَنة لتسمع الجارة"، لكن لا أدري لماذا طابت لي كثيراً وكأني لم أسمعها من قبل عندما قرأتها متضمنة في قول الشاعر "أبي الرقعمق " الذي تبعد الحكمة عنه بُعْدَ الدّوري عن الطير الحرّ:
(والـمعانـي لِـمَنْ عنـيتُ ولكنْ بكِ عَرَّضْتُ فاسمعي يا جارَهْ)
د. خالد زغريت
حسان- طموحي وصل للـ 100 مشاركة
-
الأبراج العادية :
الأبراج الحمصية :
المساهمات : 91
الأكتيفيتي : 5131
تاريخ الانضمام : 09/03/2011
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى