مكارم الأخلاق للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
مكارم الأخلاق للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
مكارم الأخلاق
للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله , نحمده و نستعينه ونستغفره , ونتوب إليه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله , بعثه الله تعالى بالهدى ودين الحق , ليظهره على الدين كله , بعثه الله تعالى بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً , وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً , فبلغ الرسالة , وأدى الأمانة , ونصح الأمة , وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين , ووفق الله من شاء من عباده فاستجاب لدعوته , واهتدى بهديه , وخذل الله بحكمته من شاء من عباده , فاستكبر عن طاعته , وكذب خبره , وعاند أمره , فباء بالخسران والضلال البعيد .
أما بعد فبحثنا هذا يدور حول الحديث عن حسن الخلق ومكارم الأخلاق .
والخلق : هو السجيةُ والطبع , وهو كما يقول أهل العلم : صورةُ الإنسان الباطنة , لأن الإنسان صورتين :
صورة ظاهرة : وهي شكل خلقته التي جعل الله البدن عليه , وهذه الصورة الظاهرة منها جميل حسن , ومنها ما هو قبيح سيئ , منها ما بين ذلك .
وصورة باطنة : وهي حال للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خير أو شر , من غير حاجة إلى فكر وروية .
وهذه الصورة أيضاً منها ما هو حسن إذا كان الصادر عنها خلقاً حسناً , ومنها ما هو قبيح إذا كان الصادر عنها خلقاً سيئاً , وهذا ما يُعبر عنه بالخلق , فالخلق إذن هو الصورة الباطنة التي طبع الإنسان عليها .
والواجب على المسلم أن يتخلق بمكارم الأخلاق أي أطايبها , والكريم من كل شيء هو الطيب منه بحسب ذلك الشيء , ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ ( إياك وكرائم أموالهم )(1) حين أمره بأخذ بالزكاة من أهل اليمن .
فعلى الإنسان أن تكون سريرته كريمة , فيحب الكرم , والشجاعة , والحلم , والصبر ,أن يلاقي الناس بوجه طلق , وصدر منشرح , ونفس مطمئنة , فكل هذه الخصال من مكارم الأخلاق .
وقد قال الني صلى الله عليه وسلم ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً )(2) , فينبغي أن يكون هذا الحديث دائماً نصب عين المؤمن , لأن الإنسان إذا علم بأنه لن يكون كامل الإيمان إلا إذا أحسن خلقه كان ذلك دافعاً له على التخلق بمكارم الأخلاق ومعالي الصفات وترك سفا سفها و رديئها .
ــــــــــ
(1) أخرجه البخاري رقم1496 , ومسلم رقم29 (2) أخرجه أبو داود رقم4682 , و الترمذي 1162 , وهو في صحيح الجامع رقم1230 , 1232
***
كمال الشريعة الإسلامية من ناحية الأخلاق
والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من مقاصد بعثته إتمام محاسن الأخلاق , فقال عليه الصلاة والسلام ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )(1) .
فالشرائع السابقة التي شرعها الله للعباد كلها تحث على الأخلاق الفاضلة , ولهذا ذكر أهل العلم أن الأخلاق الفاضلة مما طبقت الشرائع على طلبه , ولكن الشريعة الكاملة جاء النبي عليه الصلاة والسلام فيها بتمام مكارم الأخلاق ومحاسن الخصال . ولنضرب مثلاً .
مسألة القصاص : ذكر أهل العلم في مسألة القصاص , أي : لو أن أحداً جنى على أحد فهل يقتص منه أم لا ؟ ذكروا أن القصاص في شريعة اليهود حتميٌّ ولابد منه , ولا خيار للمجني عليهم فيه , وأن الأمر في شريعة النصارى العكس , وهو وجوب العفو , لكن شريعتنا جاءت كاملة من الوجهين , ففيها القصاصُ وفيها العفو , لأن في أخذ الجاني بجنايته حزماً وكفاً للشر , وفي العفو عنه إحساناً وجميلاً , وبذل معروف فيمن عفوت عنه , فجاءت شريعتنا والحمد لله مكملة , خيرت من له الحق بين العفو والأخذ , لأجل أن يعفو في مقام العفو , وأن يأخذ في مقام الأخذ . وهذا بلا شك أفضل من شريعة اليهود التي ضيعت حق المجني عليهم في العفو الذي يكون فيه مصلحة لهم , وأفضل من شريعة النصارى التي ضيعت حق المجني عليهم أيضاًً فأوجبت عليهم العفو وقد تكون المصلحة في الأخذ وإنزال العقوبة .
***
الأخلاق بين الطبع والتطبع
وكما يكون الخُلقُ طبيعة , فإنه قد يكون كسباً , بمعنى أن الإنسان كما يكون مطبوعاً على الخلق الحسن الجميل , فإنه أيضاً يمكن أن يتخلق بالأخلاق الحسنة عن طريق الكسب والمرونة .
ولذلك قال الني صلى الله عليه وسلم لأشج عبدالقيس ( إن فيك لخلقين يحبهما الله : الحلم والأناة ) قال يا رسول الله , أهما خلقان تخلقت بهما , أم جبلني الله عليهما , قال ( بل جبلك الله عليهما ) . فقال : الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما ورسوله )(2) .
فهذا دليل على أن الأخلاق الحميدة الفاضلة تكون طبعاً وتكون تطبعا , ولكن الطبع بلا شك أحسن من التطبع , لأن الخلق الحسن إذا كان طبيعياً صار سجية للإنسان وطبيعة له , لا يحتاج في ممارسته إلى تكلف , ولا يحتاج في استدعائه إلى عناء ومشقة , ولكن هذا فضل الله يؤتيه من يشاء , ومن حُرم هذا – أي حُرم الخلق عن سبيل الطبع – فإنه يمكنه أن يناله
عن سبيل التطبع , وذلك بالمرونة , والممارسة كما سنذكر إن شاء الله تعالى فيما بعد .
ــــــــــ
(1) أخرجه أحمد في المسند2/381 , والحاكم في المستدرك2/613 , وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي , وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم45 , (2) أخرجه أبو داود رقم5225 , وأحمد 4/206
***
من الأفضل ؟
وهنا مسألة وهي : أيهما أفضل رجل جُبل على خلق حميد , ورجل يجاهد نفسه على التخلق به , فأيهما أعلى منزلة من الآخر ؟
ونقول جواباً على هذه المسألة : إنه لاشك أن الرجل الذي جُبل على الخلق الحسن أكمل من حيث تخلقه بذلك , أو من حيث وجود هذا الخلق الحسن فيه , لأنه لا يحتاج إلى عناء ولا إلى مشقة في استدعائه , ولا يفوته في بعض الأماكن والمواطن , إذ أن حسن الخلق فيه سجيه وطبع , ففي أي وقت تلقاه تجده حَسَن الخلق , وفي أي مكان تلقاه حَسَن الخلق , وعلى أي حالٍ تلقاه حَسَن الخلق , فهو من هذه الناحية أكمل بلا شك .
وأما الآخر الذي يجاهد نفسه ويروضها على حسن الخلق , فلا شك أنه يؤجر على ذلك من جهة مجاهدة نفسه , وهو أفضل من هذه الجهة , لكنه من حيث كمالُ الخلق أنقص بكثير من الرجل الأول .
فإذا رزق الإنسان الخلقين جميعاً , طبعاً وتطبعاً كان ذلك أكمل , الأقسام هي :
1- من حرُم حسن الخلق طبعاً وتطبعاً
2- من حرمه طبعاً لا تطبعاً
3- من رُزقه طبعاً لا تطبعا
4- من رُزقه طبعاً لا تطبعاًً
ولا شك أن القسم الثالث هو أفضل الأقسام لأنه مع بين الطبع والتطبع في حسن الخلق .
***
مجالات حسن الخلق
إن كثيراً من الناس يذهب فهمه إلى أن حسن الخلق خاص بمعاملة الخلق دون معاملة الخالق ولكن هذا الفهم قاصر , فإن حسن الخلق كما يكون في معاملة الخلق , يكون أيضاً في معاملة الخالق , فموضوع حسن الخلق إذن : معاملة الخالق جلا وعلا , ومعاملة الخلق أيضاً وهذه المسألة ينبغي أن يتنبه لها الجميع .
أولاً / حـسن الخلق في مـعاملة الخالق : حـسنُ الخلق في مـعاملة الخالق يجمع ثلاثة أمـور : (1) تلقي أخبار الله بالتصديق (2) وتلقي أحكامه بالتنفيذ والتطبيق (3) وتلقي أقداره بالصبر والرضا .
هذه ثلاثة أشياء عليها مدار حسن الخلق مع الله تعالى ,
1/ تلقي أخبار بالتصديق : بحيث لا يقع عند الإنسان شك , أو تردد في تصديق خبر الله تبارك وتعالى , لأن خبر الله تعالى صادر عن علم , وهو سبحانه أصدق القائلين كمال قال تعالى عن نفسه ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا )]النساء87[ , ولازم تصديق أخبار الله أن يكون الإنسان واثقاً بها , مدافعاً عنها , ومجاهداً بها وفي سبيلها , بحيث لا يداخله شك أو شبهة في أخبار الله عز وجل و أخبار رسوله صلى الله عليه وسلم .
وإذا تخلق العبد بهذا الخلق أمكنه أن يدفع أي شبهة يوردها المغرضون على أخبار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم , سواء أكانوا من المسلمين الذين ابتدعوا في دين الله ما ليس منه , أم كانوا من غير المسلمين الذين يلقون الشبه في قلوب المسلمين بقصد فتنتهم وإضلالهم .
ولنضرب لذلك مثلاً - حديث الذباب - ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا ولغ الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر الدواء )(1) .
هذا خبر صادر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صلى الله عليه وسلم في أمور الغيب لا ينطق عن الهوى , لا ينطق إلا بما أوحى الله تعالى إليه لأنه بشر , والبشر لا يعلم الغيب بل قد قال الله له ( قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ )]الأنعام50[ .
وهذا الخبر يجب علينا أن نقابله بحسن الخلق وحسن الخلق نحو هذا الخبر يكون بأن نتلقاه بالقبول والانقياد , فنجزم بأن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فهو حق وصدق , وإن اعترض عليه من اعترض , ونعلم علم اليقين أن كل ما خالف ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه باطل , لأن الله تعالى يقول ( فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ )]يونس32[ .
ومثال آخر – من أخبار يوم القيامة - أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشمس تدنو من الخلائق يوم القيامة بقدر ميل (2) , وسواء كان هذا الميل ميلَ المكحَلة أم كان ميل المسافة , فإن هذه المسافة بين الشمس ورءوس الخلائق قليلة ومع هذا فإن الناس لا يحترقون بحرها , مع أن الشمس لو تدنو الآن في الدنيا مقدار أنملة لاحترقت الأرض ومن عليها .
قد يقول قائل : كيف تدنو الشمس من رءوس الخلائق يوم القيامة بهذه المسافة , ثم يبقى الناسُ لحظةً واحدةً دون أن يحترقوا ؟! نقول لهذا القائل : عليك أن تكون حسن الخلق نحو هذا الحديث .
وحسنُ الخلق نحو هذا الحديث الصحيح يكون أن نقبله ونصدق به , وأن لا يكون في صدورنا حرج منه ولا ضيق ولا تردد , وأن نعلم أن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا فهو حق , ولكن هناك فارقاً عظيماً بين أحوال الناس في الدنيا , وأحوالهم في الآخرة , بحيث لا يمكن أن نقيس أحوال الدنيا بأحوال الآخرة , لوجود هذا الفارق العظيم .
فنحن نعلم أن الناس يقفون يوم القيامة خمسين ألف سنة !!
ــــــــــ
(1) أخرجه البخاري رقم5782
(2) أخرجه مسلم 2864
وعلى مقياس ما في الدنيا , فهل يمكن أن يقف أحدٌ من الناس خمسين أ لف دقيقة ؟
الجواب : لا يمكن ذلك , إذن الفارق عظيم , فإذا كان كذلك , فإن المؤمن يقبل مثل هذا الخبر بانشراح صدر وطمأنينة , ويتسع فهمه له , وينفتح قلبه لما دل عليه .
2/ ومن حسن الخلق مع الله عز وجل , أن يتلقى الإنسان أحكام الله بالقبول والتنفيذ والتطبيق فلا يرد شيئاً من أحكام الله , فإذا رد شيئاً من أحكام الله فهذا سوء خلق مع الله عز وجل , سواءٌ ردها منكراً حكمها , أو ردها مستكبراً عن العمل بها , أو ردها متهاوناً بالعمل بها , فإن ذلك كله منافٍ لحسن الخلق مع الله عز وجل .
مثال على ذلك – الصوم – الصوم لا شك فيه أنه شاقٌ على النفوس , لأن الإنسان يترك فيه المألوف , من طعام وشراب , ونكاح , وهذا أمر شاق على الإنسان ولكن المؤمن حسن الخلق مع الله عز وجل , يقبل هذا التكليف , أو بعبارة أخرى : يقبل هذا التشريف , فهذه نعمة من الله عز وجل في الحقيقة , فالمؤمن يقبل هذه النعمة التي في صورة تكليف بانشراح صدر وطمأنينة , وتتسع لها نفسه فتجده يصوم الأيام الطويلة في زمن الحر الشديد , وهو بذلك راضٍ منشرح الصدر , لأنه يحسن الخلق مع ربه , لكن سيئ الخلق مع الله عز وجل يقابل مقل هذه العبادة بالضجر والكراهية, ولولا أنه يخشى من أمر لا تُحمد عقباه , لكان لا يلتزم بالصيام .
مثال آخر – الصلاة – فالصلاة لا شك أنها ثقيلة على بعض الناس , وهي ثقيلة على المنافقين , كمال قال النبي عليه الصلاة والسلام ( أثقل الصلاة على المنافقين : صلاة العشاء وصلاة الفجر )(1) .
لكن الصلاة بالنسبة للمؤمن ليست ثقيلة قال تعالى ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ )]البقرة45-46[ , فهي على هؤلاء غري كبيرة وإنما سهلة يسيرة , ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ( و جعلت قُرة عيني في الصلاة )(2) .
فالصلاة هي قرة عين المؤمن , وزاده اليومي الذي يتزود به للقاء الله تعالى , ولذلك فهو يعظم قدرها لها أعظم الاهتمام , لأنها عماد الدين وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة .
فحسن الخلق مع الله عز وجل بالنسبة للصلاة أن تؤديها وقلبك منشرح مطمئن ,وعينك قريرة تفرح إذا كنت متلبساً بها , وتنتظرها إذا فات وقتها , فإذا صليت الظهر , كنت في شوق إلى الصلاة العصر , وإذا صليت المغرب كنت في شوق إلى صلاة العشاء , وإذا صليت العشاء كنت في شوق إلى صلاة الفجر . و لهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( يا بلال أرحنا بالصلاة )(3) .
ــــــــــ
(1) مسلم رقم251 كتاب المساجد ورقم651/252 (2) أخرجه مسلم النسائي رقم3949 , 3950 كتاب عشرة النساء , وأحمد في المسند 3/128 , 199 , 285 , وهو في صححي الجامع رقم3134 (3) أخرجه أبو داود رقم4985 . وأحمد في المسند 5/364 والحديث في صحيح الجامع للألباني رقم7892 .
يقول : أرحنا بها , فإن فيها الراحة والطمأنينة والسكينة , لا كما يقول البعض : أرحنا بها , لأنها ثقيلة عليهم , وشاقة على نفوسهم . وهكذا دائماً تجعل قلبك معلقاً بهذه الصلوات فهذا لا شك أنه من حسن الخلق مع الله تعالى .
مثال ثالث – تحريم الربا – وهذا في المعاملات فقد حرم الله علينا الربا تحريماً أكيداً وأحل لنا البيع وقال في ذلك ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهـَى فَلـَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى الـلَّهِ وَمـَنْ عَادَ فَأُولَـئِكَ أَصْـحَابُ النَّارِ هُمْ فِيـهَا خَالِـدُونَ )]البقرة275[, فتوعد من عاد إلى الربا بعد أن جاءته الموعظة , وعلم الحكم , توعد بالخلود في النار , والعياذ بالله , بل إنه توعده في الدنيا أيضاً بالحرب فقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مؤمنين * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ .. )]البقرة278,279[ هذا يدل على عظم هذه الجريمة وأنها من كبائر الذنوب والموبقات .
فالمؤمن يقبل هذا الحكم بانشراح ورضا وتسليم , وأما غير المؤمن فإنه لا يقبله , ويضيق صدره به , وربما يتحيل عليه بأنواع الحيل , لأننا نعلم أن في الربا كسباً متيقناً وليس فيه أي مخاطرة, لكنه في الحقيقة كسب لشخص وظلك لآخر ’ ولهذا قال الله تعالى ( وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ )]البقرة279[ .
3/ ومن حسن الخلق مع الله تعالى : تلقي أقدار الله تعالى بالرضا والصبر ,وكلنا نعلم أن أقدار الله عز وجل التي يجريها على خلقه ليست كلها كلائمة للخلق بمعنى أن منها ما يوافق رغبات الخلق ومنها ما لا يوافقهم .
فالمرض مثلاً : لا يلائم الإنسان , فكل إنسان يحب أن يكون صحيحاً معافى .
وكذلك الفقر : لا يلائم الإنسان , فالإنسان يحب أن يكون غنياً .
وكذلك الجهل : لا يلائم الإنسان فالإنسان يحب أن يكون عالماً . لكن أقدار الله عز وجل تتنوع لحكمة يعلمها الله عز وجل , منها ما يلائم الإنسان ويستريح له بمقتضى طبيعته , ومنها ما لا يكون كذلك . فمت هو حسن الخلق مع الله عز وجل نحو أقدار الله ؟
حسن الخلق مع الله نحو أقداره : أن ترضى بما قدر الله لك , وأن تطمئن إليه وتعلم أنه سبحانه وتعالى ما قدره إلا لحكمة عظيمة وغاية محمودة يستحق عليها الحمد والشكر .
وعلى هذا فإن حسن الخلق مع الله نحو أقداره , هو أن يرض الإنسان ويستسلم ويطمئن , ولهذا امتدح الله الصابرين فقال ( ... وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ )]البقرة155-156[ . .
ثانياً : حسن الخلق في معاملة الخَلق :
أما حسن الخلق مع المخلوق فعرّفه بعضُهم بأنه كفُّ الأذى ، وبذلُ النّدى، وطلاقة الوجه . ويذكر ذلك عن الحسن البصري – رحمه الله.
1/ معنى كفى الأذى : معنى كف الأذى أن يكف الإنسان أذاه عن غيره سواء كان هذا الأذى بالمال، أو يتعلق بالنفس، أو يتعلق بالعرض، فمن لم يكف أذاه عن غيره سواء كان هذا الأذى بالمال، أو يتعلق بالنفس، أو يتعلق بالعرض، فمن لم يكف أذاه عن الخلق فليس بحسن الخلق، بل هو سيئ الخلق.
وقد أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم حُرمة أذية المسلم بأي نوع من الإيذاء وذلك في أعظم مجمع اجتمع فيه بأمته حيث قال ( إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا )(1) .
إذا كان رجل يعتدي على الناس بأخذ المال، أو يعتدي على الناس بالغش، أو يعتدي على الناس بالخيانة، أو يعتدي على الناس بالضرب والجناية، أو يعتدي على الناس بالسبّ والغيبة والنميمة، لا يكون هذا حسنَ الخلق مع الناس، لأنه لم يكف أذاه، ويعظم إثم ذلك كلما كان موجهاً إلى من له حق عليك أكبر.
فالإساءة إلى الوالدين مثلاً أعظم من الإساءة إلى غيرهما، والإساءة إلى الأقارب أعظم من الإساءة إلى الأباعد، والإساءة إلى الجيران أعظم من الإساءة إلى من ليسوا جيراناً لك. ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ( والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن ) قالوا : من يا رسول الله؟ قال ( من لا يأمن جاره بوائقه )(2) .
2 / معنى بذل الندي : الندى هو الكرم والجود، يعني: أن تبذل الكرم والجود. والكرم ليس كما يظنه بعض الناس أنه بذل المال فقط، بل الكرم يكون في بذل النفس، وفي بذل الجاه، وفي بذل المال، وفي بذل العلم.
إذا رأينا شخصاً يقضي حوائج الناس، يساعدهم، يتوجه في شئونهم إلى من لا يستطيعون الوصول إليهم، ينشر علمه بين الناس، يبذل ماله بين الناس، هل نصفُ هذا بحس الخلق؟ نعم، نصفه بحسن الخلق، لأنه بذل الندى، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالق الناس بخلق حسن )(3) .
ومن مخالفة الناس بخلق حسن : أنك إذا ظُلمت أو أسيء إليك، فإنك تعفو وتصفح وقد امتدح الله العافين عن الناس، فقال في أهل الجنة ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )] آل عمران 134[
وقال تعالى ( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ... ) ]البقرة237[
وقال تعالى ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ... ) ]النور 22[
ــــــــــ
(1) أخرجه البخاري رقم67 وأخرجه مسلم رقم29,30 كتاب القسامة (2) أخرجه البخاري رقم6016 ومسلم نحوه رقم73 كتاب الإيمان ( لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ) (3) أخرجه الترمذي رقم1987 وقال ( حديث حسن صحيح ) وأحمد في المسند 4/153 , 158 , 236 من حديث أبي ذر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما وهو في صحيح الجامع رقم97 .
وقال تعالى ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) ]الشورى 40[
وكل إنسان يتصل بالناس، فلابد أن يجد من الناس شيئاً من الإساءة، فموقفه من هذه الإساءة أن يعفو ويصفح، وليعلم علم اليقين أنه يعفوه وصفحه ومجازاته بالحسنى، سوف تنقلب العداوة بينه وبين أخيه إلى ولاية، ومحبة، وصداقة، قال تعالى ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) ]فصلت 34[
وتأملوا أيها العارفون باللغة العربية كيف جاءت النتيجة بإذا الفُجائية، لأن ( إذا ) الفجائية تــدل على الحــدوث الفــوري في نتيجتها ( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنــَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِــيٌّ حَمــِيمٌ ) ]فصلت 34[ , ولكن ليس كل أحد يوفق لذلك قال ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) ]فصلت 35[ .
هل نفهم من هذا أن العفو عن الجاني محمود مطلقاً ومأمور به؟
وقد يفهم البعض من الآية هذا الكلام، ولكن ليكن معلوماً أن العفو إنما يُحمد إذا كان العفو أحمد، فإن كان الأخذ أحمد فالأخذ أفضل. ولهذا قال تعالى ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) ]الشورى 40[ , فجعل العفو مقروناً بالإصلاح.
فالعفو قد يمكن أن يكون غير إصلاح، فقد يكون هذا الذي جنى عليك واجترأ عليك رجلاً شريراً معروفاً بالشر والفساد، فلو عفوت عنه لتمادى في شره وفساده فالأفضل في هذا المــقام أن تــأخذ هذا الرجل بجريـرته، لأن في ذلك إصــلاحا ً. قال شيــخ الإسلام ابــن تيمـيه ( الإصلاح واجب، والعفو مندوب، فإذا كان في العفو فوات الإصلاح فمعنى ذلك أننا قدمنا مندوباً على واجب، وهذا لا تأتي به الشريعة ) وصدق رحمه الله .
** تنبيه مهم**
وإنني بهذه المناسبة أود أن أنبه على مسألة يفعلها كثير من الناس بقصد الإحسان، وهي أن تقع حادثه من شخص، فيهلك بسببها شخص آخر، فيأتي أولياء المقتول فيسقطون الدية عن هذا الجاني الذي فعل الحادث، فهل إسقاطهم للدية محمود ويعتبر من حسن الخلق؟ أم في ذلك تفصيل؟
في ذلك تفصيل، فلابد أن نتأمّل ونفكر في حال هذا الجاني الذي وقع منه الحادث، هل هو من الناس المعروفين بالتهور وعدم المبالاة؟ هل هو من الطراز الذي يقول: أنا لا أبالي أن أدهس شخصاً لأن ديته في الدرج والعياذ بالله.
أم أنه رجل حصلت منه هذه الحادثة مع كمال التعقل وكمال الاتزان، ولكن الله تعالي قد جعل لكل شيئاً مقداراً.
في ذلك تفصيل، فلابد أن نتأمّل ونفكر في حال هذا الجاني الذي وقع منه الحادث، هل هو من الناس المعروفين بالتهور وعدم المبالاة؟ هل هو من الطراز الذي يقول: أنا لا أبالي أن أدهس شخصاً لأن ديته في الدرج والعياذ بالله.
أم أنه رجل حصلت منه هذه الحادثة مع كمال التعقل وكمال الاتزان، ولكن الله تعالي قد جعل لكل شيئاً مقداراً.
إن كان من هذا الطراز الأخير فالعفو في حقه أولى، ولكن حتى وإن كان من هذا الطراز المتعقل المتزن ، يجب قبل أن نعفو عنه أن ننظر: هل على الميت دين؟ فإذا كان على الميت دين، فإنه لا يمكن أن نعفو، ولو عفونا فإن عفونا لا يعتبر. وهذا مسألة ربما يغفل عنها كثير من الناس، ونحن نقول ذلك لأن الورثة يتلقون الاستحقاق لهذه الدية من الميت الذي أصيب بالحادث، ولا يردُ استحقاقهم إلا بعد قضاء الدين إن كان الميت مديناً.
ولهذا لما ذكر الله الميراث قال ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) ]النساء 11[
والحاصل أن من حسن الخلق: العفو عن الناس وهذا من باب بذلك الندى، لأن بذل الندى إما إعطاء وإما إسقاط، والعفو من الإسقاط.
3 / طلاقة الوجه : وطلاقة الوجه: هو إشراقه حين مقابلة الخلق، وضدُّ ذلك عبوس الوجه. ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ( لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق )(1) وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سئل عن البر فقال ( وجه طـلق ولسان لـيـّن )
وقد نظمه بعض الشعراء فقال:
بني إن البر شيء هين *** وجه طليق ولسان لين
فطلاقة الوجه وتُدخل السرور على الناس، وتجذب المودة، والمحبة، وتوجب انشراح الصدر منك وممن يقابلك.
لكن إذا كنت عبوساً ، فإن الناس ينفرون منك، ولا ينشرحون بالجلوس إليك، ولا بالتحدث معك، وربما تصاب بعُقدٍ نفسيه، وربما تصاب بالمرض الخطير وهو ما يسمى بالضغط، فإن انشراح الصدر وطلاقة الوجه من أنجع العقاقير المانعة من هذا الداء ولهذا ينصح الأطباء من ابتلي بهذا الداء بأن يبتعد عما يثيره ويغضبه، لأن ذلك يزيد في مرضه، فانشراحُ الصدر، وطلاقة الوجه تقضي على هذا المرض، ويكون بذلك الإنسان محبوباً إلى الخلق كريماً عليهم.
هذه هي الأصول الثلاثة التي يدور عليها حسنُ الخلق في معاملة الخلق.
ومن علامات حسن الخلق مع الخلق : أن يكون الإنسان حسن المعاشرة مع من يعاشره من أصدقاء وأقارب , لا يضيق بهم ولا يضيق عليه , بل يدخل السرور على قلوبهم بقدر ما يمكنه في حدود شريعة الله , وهذا القيد لا بد منه , لأن من الناس من لا يسر إلا بمعصية الله – والعياذ بالله –فهذا لا ينبغي أن نوافقه عليه , لكن إدخال السرور على من يعاشرك من أهل , ــــــــــ
(1)أخرجه مسلم رقم144 كتاب البر و الـصلة
وأصدقاء وأقارب في حدود الشرع من حسن الخلق . ولهذا قال النــبي عليه الصلاة والــسلام ( خيركم لأهله , وأنا خيركم لأهلي )(1) .
وكثير من الناس – مع الأسف الشديد يحسن الخلق مع الناس , ولكنه لا يحسن الخُلُق مع أهله , وهذا خطأ عظيم , وقلبٌ للحقائق , إذ كيف تحسن الخُلق مع الأباعد وتسيء الخلق مع الأقارب ؟ قد يقول : لأن الأقارب أمونُ عليهم . فنقول : هذا ليس بسبب يجعلك تسيء الخلق معهم , فالأقارب أحق الناس بأن تحسن إليهم في الصحبة والعشرة , ولهذا قال رجل يا رسول الله من أحق الناس بحسن مصاحبتي ؟ قال ( أمك ) قال : ثم من ؟ قال ( أمك ) قال ثم من ؟ قال ( أمك ) قال ثم من ؟ قال ( أبوك )(2) .
والأمر عند بعض الناس على العكس تجده يسيء العشرة مع أمه , ويحسن العشرة مع زوجته , فيكون مقدماً إحسان العشرة مع زوجته التي هي عنده بمنزلة الأسير , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم )(3) , يعني : بمنزلة الأسرى .
والحاصل : أن إحسان العشرة مع الأهل والأصحاب والأقارب كل ذلك من مكارم الأخلاق .
***
كيفية اكتساب مكارم الأخلاق
ذكرنا أولاً حسن الخلق يكون بالطبع ويكون بالتطبع , وأن حسن الخلق بالطبع أكمل من حسن الخلق بالتطـبع وذكـرنا لذلك دلـيلاً وهو قول النبــي صلى الله عليه وسلم للأشج بن عبدالقيس ( بل جبلك الله عليهما ) (4) .
وكذلك لأن حسن الخلق بالطبع لا يزول عن الإنسان لكن حسن الخلق بالتطبع قد يفوت الإنسان في مواطن كثيرة , لأنه يحتاج إلى ممارسة وإلى معاناة وإلى رياضة ومجاهدة , وإلى تذكر ذلك عند حدوث كل ما يثير الإنسان . ولهذا جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه الصلاة والسلام , فقال : يا رسول الله أوصني قال ( لا تغضب ) (5) .
فردد مراراً . قال ( لا تغضب ) وقال النبي عليه الصلاة والسلام ( ليس الشديد بالصرعة , إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب )(6) .
و الصرعة : والذي يصرع الناس كهُمزة , ولًمزة . فهمزة الذي يهمز الناس , ولمزة : الذي يلمز الناس بالعيون .
ــــــــــ
(1) أخرجه الترمذي رقم3895 كتاب المناقب ,وهو في صحيح الجامع رقم3314 (2) أخرجه البخاري رقم5971 ومسلم رقم1 , 2 كتاب البر والصلة (3) أخرجه الترمذي رقم3087 وقال الترمذي : حديث حسن صحيح (4) أخرجه أبوداود رقم5335 وأحمد في المسند 4/206 (5) أخرجه البخاري رقم6116 (6) أخرجه البخاري رقم 6114 ومسام رقنم107 كتاب البر والصلة
فليس الشديد هو الذي يصرع الناس ويغلبهم ( إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) يتحكم فيها ويملكها في مواطن الغضب , وملك الإنسان نفسه عند الغضب يعتبر من محاسن الأخلاق , فإذا غضبت فلا تنفذ الغضب , ولكن استعذ بالله من الشيطان الرجيم , وإذا كنت قائماً فاجلس , وإذا كنت جالساً فاضطجع , وإذا ازداد الغضب فتوضأ حتى يزول عنك .
ويستطيع الإنسان اكتساب مكارم الأخلاق , وذلك عن طريق الممارسة , والمجاهدة , والتمرين فيكون الإنسان حسن الخلق لأمور منها :
أولاً : أن ينظر في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم : ينظر النصوص الدالة على مدح ذلك الخلق العظيم الذي يريد أن يتخلق به . فالمؤمن إذا رأى النصوص تمدح شيئاً من الأخلاق أو الأفعال , فإنه سوف يقوم به .
والنبي عليه الصلاة والسلام أشار إلى ذلك في قوله ( إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وأما أن تجد منه ريحاً طيبة ونافح الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة )(1) .
ثانياً : أن يصاحب من عرفوا بحسن الأخلاق , والبعد عن مساوئ الأخلاق و سفاسف الأعمال حتى يجعل من هذه الصحبة مدرسة يستعينُ بها على حسن الخلق فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )(2) .
ثالثا ً : أن يتأمل الإنسان ماذا يترتب على سوء خلقه : فسيئ الخلق ممقوت سيئ الخلق مهجور سيئ الخلق مذكور بالذكر القبيح فإذا علم الإنسان أن سوء الخلق يفضي به إلى هذا فإنه يبتعد عنه .
رابعاً : أن يستحضر الإنسان دائماً صورة خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكيف أنه كان يتواضع للخلق , ويحلم عليهم , ويعفو عنهم ويصبر على أذاهم , فإذا استحضر الإنسان أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وأنه خير البشر وأفضل من عبد الله تعالى , هانت على الإنسان نفسه وانكسرت صولة الكبر فيها فكان ذلك داعياً إلى حسن الخلق .
***
صور من مكارم الأخلاق
ومن مكارم الأخلاق أن تصل من قطعك : من الأقارب ممن تجب صلتهم عليك , إذا قطعوك , فصلهم ولا تقل : من وصلني وصلته ! فإن هذا ليس بصلة , كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ( ليس الواصل بالمكافئ إنما الواصل من إذا قطعت رحمها وصلها )(3) فالواصل هو
ــــــــــ
(1)أخرجه البخاري 2101 وأخرجه مسلم 146 كتاب البر والصلة (2) أخرجه الترمذي 2378 قال : هذا حديث حسن صحيح . وأبو داود 4833 وأحمد في المسند 2/303 ,334 وحسنه الألباني وهو في صحيح الجامع الصغير 3545 وسلسلة الأحاديث الصحيحة 927 (3) أخرجه البخاري5991
الذي إذا قطعت رحمه وصلها .
وسأل النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال : يا رسول الله , إن لي أقارب أصلهم ويقطعوني , وأحسن إليهم ويسيئون إلي , وأحلم عنهم ويجهلون علي ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن كـنت كما قلـت فكأنـما تسفهم الملَّ ولا يـزال مـعك من الله ظهير عليهم ما دمـت على ذلـك )(1) . وقوله ( تسفهم المل ) أي : كأنما تضع التراب أو الرماد الحار في أفواههم .
وإذا كان وصل من قطعك يعد من مكارم الأخلاق فكذلك وصل من وصلك هو أيضاً من هذا الباب , لأن من وصلك وهو قريب , صار له حقان : حق القرابة , وحق المكافأة , لقول النبي عليه الصلاة والسلام ( من صنع إليكم معروفاً فكافئوه )(2) .
وكذلك عليك أن تعطي من حرمك . أي : من منعك ولا تقل : منعني , فلا أعطيه .
وتعفو عمن ظلمك , أي من انتقصك حقك : إما بالعدوان وإما بعدم القيام بالواجب .
والظلم يدور على أمرين : اعتداء وجحود : إما أن يعتدي عليك بالضرب وأخذ المال وهتك العرض وإما أن يجحدك فيمنعك حقك .
وكمال الإنسان أن يعفو عمن ظلمه , ولكن العفو إنما يكون عند القدرة على الانتقام , فأنت تعفو مع قدرتك على الانتقام لأمور :
1 / رجاء لمغفرة الله عز وجل ورحمته فإن ممن عفا وأصلح فأجره على الله .
2 / لإصلاح الود بينك وبين صاحبك لأنك إذا قابلت إساءته بإساءة , استمرت الإساءة بينكما , وإذا قابلت إساءة بإحسان , عاد إلى الإحسان إليك وخجل .
قال تعالى ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) ]فصلت 34[ .
فالعفو عند المقدرة من مكارم الأخلاق , لكن بشروط أن يكون العفو إصلاحاً , فإن تضمن العفو إساءة فإنه لا يندب إلى ذلك , لأن الله اشترط , فقال ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ )]الشورى40[ أي كان في عفوه إصلاح , أما من كان في عفوه إساءة أو كان سبباً للإساءة , فهنا نقول : لا تعف ! مثل أن يعفو عن مجرم , ويكون عفوه هذا سبباً لاستمرار هذا المجرم في إجرامه فترك العفو هنا أفضل وربما يجب ترك العفو حينئذٍ .
ومن مكارم الأخلاق أيضاً بر الوالدين : وذلك لعظم حقهما . فلم يجعل الله لأحد حقاً يلي حقه وحق رسوله صلى الله عليه وسلم إلا للوالدين . فقال ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا )]النساء34[
ــــــــــ
(1)أخرجه مسلم رقم22 كتاب البر والصلة (2) أخرجه أبو داود رقم1672 والنسائي 2566 كتاب الزكاة باب 72 وهو في صحيح الجامع 6021 .
وحق الرسول ضمن الأمر بعبادة الله , لأنه لا تتحقق العبادة حتى يقوم العبد بحق الرسول عليه الصلاة والسلام , بمحبته واتباع سبيله , ولهذا كان داخلاً في قوله ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا )]النساء34[ وكيف يعبد الله إلا من طريق الرسول صلى الله عليه وسلم ؟!
وإذا عبد الله على مقتضى شريعة الرسول صلى اله عليه وسلم , فقد أدى حقه .
ثم يلي ذلك حق الوالدين , فالوالدين تعبا على الولد , ولا سيما الأم قال الله تعالى ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيــْهِ إِحْسَانًا حَمــَلَتْهُ أُمُّهُ كُــرْهًا وَوَضَعـَتْهُ كُرْهًا )]الأحقاف15[ , وفي آية أخـرى ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ )]لقمان14[ . فالأم تتعب في الحمل , وعند الوضع , وبعد الوضع وترحم صبيها أشد من رحمة الوالد له , ولهذا كانت أحق الناس بحسن الصحبة والبر حتى من الأب .
قال رجل يا رسول الله من أحـق الناس بحـسن مصـاحبتي ؟ قال ( أمـك ) قال : ثم مـن ؟ قـال ( أمك ) قال ثم من ؟ قال ( أمك ) قال ثم من ؟ قال ( أبوك )(1) .
والأب أيضاً يتعب على أولاده ويضجر بضجرهم ويفرح لفرحهم ويسعى بكل الأسباب التي فيها راحتهم وطمأنينتهم وحسن عيشهم , يضرب الفيافي والقفار من أجل تحصيل العيش له ولأولاده .
فكل من الأب والأم له حق , ومهما عملت من العمل فلن تقضي حقمها , ولهذا قال الله عز وجل ( وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا )]الإسراء24[ فحقهم سابق , حيث ربياك صغيراً حين كنت لا تملك لنفسك نفعاً ولا ضراً فواجبهما البر .
*والبر فرض عين بالإجماع على كل واحد من الناس , ولهذا قدمه النبي صلى الله عليه وسلم على الجهاد في سبيل الله , كما في حديث ابن مسعود , قال , قلت : يا رسول الله , أي العمل أحب إلى الله ؟ قال ( الصلاة في وقتها ) وقلت : ثم أي ؟ قال ( بر الوالدين ) قلت : ثم أي ؟ قال ( الجهاد في سبيل الله )(2) .
*والولدان هما الأب والأم , أما الجد والجدة فلهما بر , لكنه لا يساوي بر الأم والأب , لأن الجد والجدة لم يحصل لهما ما حصل للأم والأب من التعب , والرعاية والملاحظة , فكان برهما واجباً من باب الصلة , أما البر فإنه للأم والأب .
لكن ما معنى البر ؟
البر : إيصال الخير بقدر ما تستطيع , وكف الشر .
إيصال الخير بالمال , وإيصال الخير بالخدمة , وإيصال الخير بإدخال السرور عليهما , من طلاقة الوجه وحسن المقال والفعال ’ وبكل ما فيه راحتهما .
ــــــــــ
(1)أخرجه البخاري رقم5971 ومسلم رقم1 , 2 كتاب البر والصلة (2)أخرجه البخاري رقم527 ومسام رقم139 كتاب الإيمان .
*ولهذا كان القول الراجح وجوب خدمة الأب والأم على الأولاد إذا لم يحصل عليه بضرر , فإن كان عليه ضرر , لم يجب عليه خدمتهما , اللهم إلا عند الضرورة .
ولهذا نقول : إن طاعتهما واجبة فيما فيه نفع لهما , ولا ضرر على الولد فيه , أما ما فيه ضرر عليه , سواء كان ضرراً دينياً , كأن يأمراه بترك واجب , أو فعل محرم , فإنه لا طاعة لهما في ذلك , أو كان ضرراً بدنياً , فلا يجب عليه طاعتهما . أما المال فيجب عليه أن يبرهما ببذله , واو كثر , إذا لم يكن عليه ضرر , ولم تتعلق به حاجة , والأب خاصة له أن يأخذ من مال ولده ما شاء ما لم يضر .
وإذا تأملنا في أحوال الناس اليوم , وجدنا كثيراً منهم لا يبر بوالديه , بل هو عاق , تجده يحسن إلى أصحابه , ولا يمل الجلوس معهم , لكن لو يجلس إلى أبيه أو أمه ساعة نهار لوجدته متمللاً , كأنما هو على الجمر , فهذا ليس ببار , بل البار من ينشرح صدره لأمه , وأبيه , ويخدمهما على أهداب عينيه , ويحرص غاية الحرص على رضاهما بكل ما يستطيع .
وكما قالت العامة ( البر أسلاف ) فإن البر مع كونه يحصل به البار على ثواب عظيم في الآخرة , فإنه يجازى به في الدنيا , فالبر والعقوق كما يقول العامة ( أسلاف ) أقرض , تستوف إن قدمت البر لأبيك وأمك , برك أولادك , وإن قدمت العقوق عقك أولادك .
وهناك حكايات كثيرة في أن من الناس بر والديه فبر به أولاده , وكذلك في العقوق هناك حكايات تدل على أن الإنسان إذا عق أباه عقه أولاده .
ومن مكارم الأخلاق أيضاً صلة الأرحام : وهناك فرق بين الوالدين , والأقارب الآخرين , فالأقارب لهم الصلة , والوالدان لهما البر . والبر أعلى من الصلة , لأن البر كثيرة الخير والإحسان , لكن الصلة ألا يقـطع , ولهذا يقال في تارك الــبر : إنه عاق , ويـقال فيمن لم يصل : إنه قاطع !
فصلة الأرحام واجبة , وقطعها سبب للعنة والحرمان من دخول الجنة , قال الله تعالى ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ )]محمد 22 ,23[ , وقال النبي عليه الصلاة والسلام ( لا يدخل الجـنة قاطع )(1) أي قاطع رحم , والصلة جاءت في القرآن والسنة مطلقة .
وكُل ما أتى وَلَم يُحددِ *** بِالشرعِ كالحرِز فالعُرفِ احْدُدِ
وعلى هذا , يرجع إلى العرف فيها , فما سماه الناس صلة , فهو صلة , وما سموه قطيعة , فهو قطيعة , وهذا يختلف باختلاف الأحوال والأزمان والأمكنة والأمم .
إذا كان الناس في حالة فقر وأنت غني , وأقاربك فقراء , فصلتهم أن تعطيهم بقدر حالك .
*وفي زماننا هذا الصلة بين الناس قليلة , وذلك لانشغال الناس في حوائجهم , وانشغال
ــــــــــ
(1)أخرجه البخاري رقم5984 ومسلم رقم19 كتاب البر والصلة
بعضهم عن بعض والصلة التامة أن تبحث عن حالهم , وكيف أولادهم , وترى مشاكلهم , ولكن هذه الأمور مع الأسف مفقودة عند كثير من الناس .
ومن مكارم الأخلاق أيضاً حسن الجوار مع الجيران:
والجيران : هم الأقارب من المنزل , وأدناهم أولاهم بالإحسان والإكرام قال تعالى ( ... وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّــبِيلِ وَمَا مَلَكَــتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللــَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخــُورًا )]النساء36[ , فأوصى الله بالإحسان إلى الجار القريب والجار البعيد .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر, فليكرم جاره )(1) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( إذا طبخت مرقة , فأكثر ماءها , وتعاهد جيرانك )(2) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( وما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )(3) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن ) قيل من يا رسول الله ؟ قال ( الذي لا يأمن جاره بوائقه )(4) , أي شروره وغوائله .
إلى غير ذلك من النصوص الدالة على العناية بالجار والإحسان إليه وإكرامه .
*والجار إن كان مسلماً قريباً , كان له ثلاثة حقوق : حق الإسلام , وحق القرابة , وحق الجوار .
وإن كان قريباً جاراًً , فله حقان : حق القرابة وحق الجار .
وإن كان مسلماً غير قريب وهو جار فله حقان : حق الإسلام وحق الجوار .
وإن كان جاراً كافراً , فله حق واحد فقط , وهو : حق الجوار .
*فمن مكارم الأخلاق حسن الجوار مطلقاً : أياً كان الجار , ومن كان أقرب فهو أولى .
*ومن المؤسف أن بعض الناس اليوم يسيئون إلى الجار أكثر مما يسيئون إلى غيره , فتجده يعتدي على جاره بالأخذ من ملكه وإزعاجه .
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله في آخر باب الصلح في الفقه شيئاً من أحكام الجوار فليرجع إليه
ــــــــــ
(1)اخرجه البخاري رقم6019 ومسلم رقم77 كتاب الإيمان (2)أخرجه مسلم رقم142 كتاب البر والصلة (3) أخرجه البخاري رقم6014 ,6015 ومسلم رقم140 ,141 (4)أخرجه البخاري رقم6016 .
ومن مكارم الأخلاق أيضاً الإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل :
واليتامى : جمع يتيم وهو الذي مات أبوه قبل بلوغه . وقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى اليتامى , وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم حث عليه في عدة أحاديث .
ووجه ذلك : أن اليتيم قد انكسر قلبه بفقد أبيه , فهو في حاجة إلى العناية والرفق .
والإحسان إلى اليتامى يكون بحسب الحال .
والمساكين : هم الفقراء , وهو هنا شامل للمسكين والفقير .
فالإحسان إليهم مما أمر به الشرع في آيات متعددة من القرآن , وجعل لهم حقوقاً خاصة في الفيء وغيره .
ووجه الإحسان إليهم أن الفقراء أسكنهم , وأضعفهم وكسر قلوبهم , فكان من محاسن الإسلام ومكارم الأخلاق أن نحسن إليهم جبراً لما حصل لهم من النقص والانكسار .
والإحسان إلى المساكين يكون بحسب الحال : فإذا كان محتاجاً إلى طعام , فالإحسان إليه بأن تطعمه , وإذا كان محتاجاً إلى كسوة , فالإحسان إليه بأن تكسوه , ويكون أيضاً بأن توليه اعتباراً , فإذا دخل المجلس , ترحب به , وتقدمه لأجل أن ترفع معنويته .
فمن أجل النقص الذي قدره الله عز وجل عليه بحكمته أمرنا عز وجل أن نحسن إليهم .
كذلك ابن السبيل وهو المسافر : وهو هنا المسافر الذي انقطع به السفر أو لم ينقطع بخلاف الزكاة , لأن المسافر غريب , والغريب مستوحش , فإذا آنسته بإكرامه والإحسان إليه , فإن هذا مما يأمر به الشرع .
إذا نزل ابن سبيل بك ضيفاً , فمن مكارم الأخلاق أن تكرم ضيافته , لكن قال بعض العلماء : إنه لا يجب إكرامه بضيافته إلا في القرى دون الأمصار !
ونحن نقول : بل هي واجبة في القرى والأمصار , إلا أن يكون هناك سبب , كضيق البيت مثلاً , أو أسباب أخرى تمنع أن تضيف هذا الرجل , لكن على كل حال ينبغي إذا تعذر أن تحسن الرد .
ومن مكارم الأخلاق أيضاً الرفق بالمملوك والخادم : والمملوك يشمل المملوك الآدمي والبهيم , فالرفق بالمملوك الآدمي بأن تطعمه إذا طعمت وتكسوه إذا اكتسيت , ولا تكلفه ما لا يطيق .
والرفق من البهائم سواء كانت مما تركب , ا, تحلب أو تقتنى , يختلف بحسب ما تحتاج إليه , ففي الشتاء تجعل في الأماكن الدافئة إذا كانت لا تتحمل الحر ويؤتى لها بالطعام , وبالشراب إن لم تحصل عليه بنفسها بالرعي , وإذا كانت مما تحمل , فلا تحمل ما لا تطيق .
وهذا يدل على كمال الشرع ,وأنه لم ينس حتى البهائم بل جعل لها حقاً .
ومن مكارم الأخلاق أيضاً ترك الفخر والخيلاء والبغي والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق : فالفخر بالقول والخيلاء بالفعل والبغي والعدوان والاستطالة : الترفع والاستعلاء .
فالإنسان منهي أن يتفاخر على غيره بقوله , فيقول : أنا العالم ! أنا الغني ! أنا الشجاع !
وإن زاد على ذلك يستطيل على الآخرين ويقول : ماذا أنتم عندي ؟ فيكون هذا فيه بغي واستطالة على الخلق .
والخيلاء تكون بأفعال , يتخايل في مشيته وفي وجهه وفي رفع رأسه ورقبته إذا مشي , كأنه إلى السماء , والله عز وجل وبخ من هذا الفعل فقال ( وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا )]الإسراء 37[
فالواجب أن تكون متواضعاً في القول وفي الفعل , لا تثن على نفسك بصفاتك الحميدة , إلا حيث دعت الضرورة أو الحاجة إلى ذلك , كقول ابن مسعود رضي الله عنه ( لو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه )(1) , فإنه رضي الله عنه قصد بذلك أمرين :
الأول : حث الناس على تعلم كتاب الله تعالى .
الثاني : دعوتهم للتلقي عنه .
والإنسان ذو الصفات الحميدة لا يظن أن الناس تخفى عليهم خصاله أبداً , وساء ذكرها الناس أم لم يذكرها , بل إن الرجل إذا صار يعدد صفاته الحميد أمام الناس , سقط من أعينهم, فاحذر هذا الأمر .
والبغي : العدوان على الغير ومواقعه ثلاثة بينها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله ( إن دماءكم , وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام )(2) , فالبغي على الخلق يكون في الأموال , والدماء والأعراض .
ففي الأموال : مثل أن يدعي ما ليس له , أو ينكر ما كان عليه , أو يأخذ ما ليس له , فهذا بغي في الأموال .
وفي الدماء : القتل فما دونه , كأن يعتدي على الإنسان بالجرح والقتل .
وفي الأعراض : يحتمل أن يراد بالأعراض : السمعة , فيعتدي عليه بالغيبة التي يشوه بها سمعته , ويحتمل أن يراد بها الزنى وما دونه , والكل محرم , فمن مكارم الأخلاق ترك الاعتداء على الأموال والدماء والأعراض .
*وكذلك الاستطالة على الخلق , يعني : الاستعلاء عليهم بحق أو بغير حق , وحقيقة الـأمر أن يكون من شكر الله عليه أن إذا منَّ عليك بفضل على غيرك من مال أو جاه أو سيادة , أو علم
ــــــــــ
(1)أخرجه البخاري رقم5002 ومسلم رقم115 كتاب فضائل الصحابة (2)أخرجه البخاري رقم1739 ومسلم رقم29 ,31 كتاب الحج من حديث أبي بكرة .
, أو غير ذلك , فإنه ينبغي أن تزداد تواضعاً , حتى تضيف إلى الحسن حسنى , لأن الذي يتواضع في موضع الرفعة هو المتواضع حقيقة . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ... وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله )(1) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله أوحى إلي أن تواضعوا , حتى لا يفخر أحد على أحدِ , ولا يبغي أحدٌ على أحد )(2) .
***
أخلاق غير المسلمين
يورد كثير من الناس أن أهل الغرب أحسن أخلاقاً منا في تعاملهم و وبيعهم وشرائهم بينما تجد الغش والكذب وإنفاق السلة بالحلف الكاذب منتشراً بين صفوفنا نحن المسلمين .
وللرد على هذه الفرية نقول : قال النبي عليه الصلاة والسلام ( البينة على المدعي )(3) , وما كان مشهوراً بين الناس من أن الغرب عنده
????- زائر
رد: مكارم الأخلاق للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
أبا أغيد
لايمل المرء قراءة موضوع كهذا مهما كثرت صفحاته
زادك الله من الخُلق و الخِلق حتى ترضى
وأجارك الله مما قال أحمد شوقي
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم ...فأقم عليهم مأتماً وعويلا
تقبل المرور
لايمل المرء قراءة موضوع كهذا مهما كثرت صفحاته
زادك الله من الخُلق و الخِلق حتى ترضى
وأجارك الله مما قال أحمد شوقي
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم ...فأقم عليهم مأتماً وعويلا
تقبل المرور
جزيرة الحزن- شعاري : الانتشار في المنتدى
-
الأبراج العادية :
الأبراج الحمصية :
المساهمات : 1282
الأكتيفيتي : 6924
تاريخ الانضمام : 14/12/2010
الإقامة : وسط أمواج الحياة
كلمتي : ليـت الحـزن ثلجـا
رد: مكارم الأخلاق للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
جزاك الله عنا كل خير
وجعله في ميزان حسناتك
يعطيك الف عافية على مجهودك الرائع صديقي
وجعله في ميزان حسناتك
يعطيك الف عافية على مجهودك الرائع صديقي
المالك الحزين- المشرف العام
-
الأبراج العادية :
الأبراج الحمصية :
المساهمات : 2966
الأكتيفيتي : 8919
تاريخ الانضمام : 27/10/2009
الإقامة : حمص
العمل / الترفيه : سواح
المزاج : رووووواق
كلمتي : يسعد فؤادي كلما .... ذكر الحبيب ترنما
ذاك الذي رب العلا .... صلى عليه وسلما
رد: مكارم الأخلاق للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
مشكور أخي المالك الحزين وأعدك بتقديم المزيد
????- زائر
مواضيع مماثلة
» مقتطفات من هدى محمد صلى الله عليه وسلم
» من روائع الشيخ علي الطنطاوي …. رحمه الله
» من مواعظ الحسن البصري رحمه الله
» من روائع الإمام الشافعي (رحمه الله)
» هكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم
» من روائع الشيخ علي الطنطاوي …. رحمه الله
» من مواعظ الحسن البصري رحمه الله
» من روائع الإمام الشافعي (رحمه الله)
» هكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى